الوضع المظلم
الخميس ٠٧ / نوفمبر / ٢٠٢٤
Logo
نحو مزيد من الحوار..
جمعة خزيم  

من المعروف أن الحجر على آراء الآخرين أحد سمات الضعف عند الطرف الذي لا يجد غير “التسكيت" خير وسيلة للحوار، وفي بعض الحالات يلجأ هذا الطرف بدلاً من الحوار بزج المخالف بالرأي إلى خانة الاتهام لوضعه في حالة الدفاع عن الذات في حالة الرد أو الصمت طلباً للسلامة.

وحديثنا اليوم ينصب حول موضوع التعصب والاستغلال والحوار الدائر على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي قضايا تهم قطاعاً كبيراً من المجتمع، سواء من ذوي الاختصاص أو العامة من الناس. وهنا تأتي أهمية فسح المجال والمشاركة لكافة الآراء لمناقشة تلك القضايا الشائكة، فالاختلاف في الآراء يؤدي إلى معالجة الموضوعات بشكل أوسع إذ إن كل طرف من الأطراف يحاول أن يبين مكامن الخطأ ويطرح تصوراته حول تلك الأمور انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية وبامتلاكه الرؤية الكاملة لحلها في المجالات التي تم ذكرها، سياسياً – اقتصادياً – اجتماعياً. هناك العديد من الآراء والاجتهادات وكلها تهدف، من وجهة نظرها، المساهمة في تشكيل معالم ملامح المجتمع خلال هذه الفترة.

ولعل ما يميز المرحلة التي تمر فيها مجتمعاتنا عدم الاستقرار بكافة أشكاله، ففي المجال الاقتصادي تزداد الفجوة بين من يملك الخبز وبين من لا يجده، وهذه بطبيعة الحال انعكاس لسياسة التبعية التي ترسخها القطط السمان في أكثر أرجاء الوطن عامة، وشمال وشرق سوريا خاصة، في حين تدفع الجماهير الثمن يوماً بعد يوم، مما يعني أن الصراع الاقتصادي قد برز على السطح، مهما حاولت المهدئات أن تحول دون ذلك، ولعل تدهور الليرة السورية في الآونة الأخيرة يؤكد حقيقة الخلل الكبير الذي أصاب الأوضاع الاقتصادية مما انعكس سلباً على الأوضاع المعيشية للشعب بشكل مباشر بسبب ارتفاع الأسعار ومتطلبات الحياة اليومية حيث إن إيرادات الأغلبية منهم لا تستطيع أن توفر الحد الأدنى للمستوى المعيشي.

وهنا يبرز البعض المستفيد من هذه الأوضاع، وهم بلا شك متواجدون ويستغلون هذه الظروف للثراء السريع على حساب الأغلبية.

ومن الجانب السياسي، تؤكد الأوضاع السياسية في المنطقة أن الاستقرار أبعد مما يمكن تصوره في هذه المرحلة، وهذا الوضع يعجز عن مواكبة أحداثه العامة، وهذا بالطبع ينعكس على منطقة الشرق الأوسط الجديد الذي تم التخطيط له عبر مخططات استراتيجية دولية إقليمية يعكس مصالح الدول التي قامت على بنائها.

كذلك فإن تغييب العامة من الشعب المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية يعطي الفرصة لبروز عدم الاستقرار السياسي الداخلي أكثر من أي وقت مضى، حيث إن البدائل المطروحة على الساحة السورية عامة، وشمال وشرق سوريا خاصة، أقلها تطرفاً سيكون أشد عنفاً مما هو متوقع، وهذا ما حصل بالطبع في المرحلة الماضية من السنوات التي عانى فيها الشعب القتل والتدمير والتهجير القسري والقتل على الهوية.

والجميع يعلم أن تغييب الأغلبية في واقع الأمر بداية لعهد جديد قد يطول انتظاره إلا أنه واقع حتمي، وهذا ما يقوله التاريخ بشكل عام من خلال الأحداث التي جرت وتجري في المنطقة، فيما يمر المجتمع في المجال الاجتماعي بتحولات كبيرة قد لا تكون ملموسة بحيث يلاحظها الجميع، غير أن المتتبع عن كثب يدركها.

إن هذه التحولات بدأت تظهر بشكل واضح من خلال بعض المؤشرات ذات الدلالة، ولعل ظاهرة التعصب بشكل عام تؤكد أن هذه التجمعات تمر بمرحلة عدم الاستقرار، حيث يصرّ كل فريق على أنه يمتلك الحقيقة كاملة، وأن ما عداه مخطئ حتى العظم، هذا التعصب للرأي يبين مدى البلاء الذي حل بالشعب في المنطقة، ولعل ما طرحته الأحزاب الدينية عامة متمثلة بحركة الإخوان المسلمين وتبعاتها من "داعش" وغيرها، تؤكد هذه الحقيقة المرة، حقيقة عدم الاستقرار، وعدم الثقة بالعقل البشري، وراحت بعضها تمارس الوصاية، وهذا قد يذكرنا بالعهد البابوي إبان عصر الظلام في أوروبا، ويبقى التساؤل في هذا المجال قائلاً: ما هي الدوافع التي أدت إلى تنامي هذه الظاهرة؟ ومن كان المستفيد منها بالدرجة الأولى؟

إن الظروف التي تمر بها مجتمعاتنا في هذه المرحلة، في كافة جوانب الحياة، تؤكد على تفرز ظاهرة التعصب والأنا الذاتية، إضافة إلى ضيق الأفق لدى من يدّعي أنه يملك الحقيقة كاملة ويتهم الآخرين بالجهل والسطحية، على حين أن معظم الأمور المختلف عليها بالإمكان أن تناقش بأسلوب ديمقراطي يحترم كل طرف من الأطراف الأخرى التي قد تختلف معه، وهذا لم يحدث حتى الآن بالصورة المطلوبة.

ومن المعلوم أن الشعور المطلق بامتلاك الحقيقة واحتكارها، يدفع إلى رفض قناعات الآخرين وحقائقهم، وممارسة العنف بحق من يرفض هذه (الحقيقة) وعملية احتكارها؛ وذلك لأن هذا الشعور يولد حالة من التعصب لقناعات الذات وأفكارها.

كذلك فإن الجميع يعلم تاريخياً أن التعصب يولد العنف الذي بدوره يولد الأعمال التخريبية والترويع والتخويف، واستخدام أدوات القوة في العلاقات الإنسانية وإنما على العكس من ذلك، نجد أن العنف، يشكل قناة أساسية، لتبديد الطاقات، ونسف الإنجازات وتعريض أمن الجميع للكثير من المخاطر والمساوئ.

بقيت نقطة أخيرة نؤكد عليها هي أهمية الحوار واستمراريته وضرورة اتساع العقول لاستيعاب الرأي والرأي الآخر، وألا تكون هناك نوايا مسبقة حول عرقلة هذه الظاهرة التي تؤدي إلى تأكيد حق الآخر في إبداء وجهة نظره دون الخوف من مصادرة ذلك الحق، إضافة أن الحوارات تزيد من فرصة الاقتراب من الحقيقة والواقع وتنكسف من خلالها الحجة الأقوى وتزداد صلابة الأفكار التي تعالج الواقع وتزول حجة أولئك الذين لا صلة لهم بالواقع، فالبقاء لمن يهدف إلى حل المشكلات والقضايا العالقة والتطوير ومن يعمل من أجل المجتمع دون أهداف ذاتية بحتة.

إن هذا الثالوث الخطر (الحجر على الآراء ـ العنف ـ التعصب)، يتغذى كل واحد من الآخر، فالاحتكار يهيئ الأرضية والظروف لممارسة الاستغلال بكافة مجالاته، والعنف والتعصب يؤكدان خيار الاستبداد ويعمقانه على مستويات الحياة كافة، ولا يؤدي إلا لرد فعل موازنة في القوة مضاد له في الاتجاه وهنا تكثر الدائرة القهرية الى أن تسود الديمقراطية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وحين ذلك يبدأ فجر جديد.
 

ليفانت - جمعة خزيم  

كاريكاتير

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!